30 - 04 - 2025

ترامب .. والحرب التجارية | كيف أشعلت الرسوم الجمركية فتيل أزمة اقتصادية عالمية؟

ترامب .. والحرب التجارية | كيف أشعلت الرسوم الجمركية فتيل أزمة اقتصادية عالمية؟

- 7.8 مليار دولار خسائر الولايات المتحدة الأمريكية جراء السياسات الحمائية علي السلع الصينية والأوروبية
- مصر تدفع ثمن صراعات تصاعد الحرب التجارية بين أكبر الاقتصادات العالمية
- الصين وأوروبا وخلق تحالفات تجارية جديدة لمواجهة حرب الرسوم الجمركية

شهدت الساحة الاقتصادية العالمية منذ أن تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه سواء في 2017 أو رئاسته الجديدة في 2025 تحولا كبيرا بفعل مجموعة من السياسات التي اتخذها ضد الدول الكبرى في العالم..في مقدمة هذه السياسات فرض رسوم جمركية مشددة على السلع والمنتجات الأجنبية التي اعتبرها ترامب تهديدا لصناعة بلاده بهدف تقليل العجز التجاري الأمريكي. إلا أن هذه السياسات كانت لها تداعيات خطيرة حيث أدت إلى إندلاع حرب تجارية طالت العديد من الدول الكبرى وعلي قمتها الصين ودول الإتحاد الأوروبي، وكندا والمكسيك، ومازالت هذه الحرب تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي حتى اليوم.

بدأت الحرب التجارية عندما قرر ترامب فرض رسوم جمركية مرتفعة على العديد من السلع الصينية بحجة تقليص العجز التجاري الأمريكي، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من قبل الدول المتضررة. كما اتخذ إجراءات مشابهة ضد الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك..حيث تم فرض رسوم بنسبة 25% على الصلب و10% على الألومنيوم، وهي خطوات وصفتها بعض الجهات بأنها غير مدروسة وقد تضر بالاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل.

والغريب أن الإتحاد الأوروبي نفسه الذي يُعتبر أحد الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة  لم يكن بعيدا عن تداعيات هذه السياسات أيضا..فقد فرضت أوروبا بدورها رسوما جمركية على بعض المنتجات الأمريكية مثل النبيذ، وشفرات الحلاقة، والجلود.. كما بدأ الإتحاد الأوروبي في إتخاذ إجراءات مضادة تشمل تنويع مصادره التجارية بعيدا عن الاعتماد على السوق الأمريكي. وتسبب هذا التبادل التجاري المتصاعد في خفض حجم الاستثمارات بين الطرفين مما أثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي.. حيث بدأت بعض الدول الأوروبية في البحث عن أسواق بديلة لتصدير منتجاتها مما زاد من تحديات الاقتصاد الأمريكي الذي بات يواجه تراجعا في حصص السوق في بعض الصناعات.

وعلى الرغم من أن إدارة ترامب كانت تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأمريكي.. إلا أن الواقع أثبت العكس. فقد أظهرت الدراسات أن فرض الرسوم الجمركية على السلع الصينية والأوروبية قد كلف الاقتصاد الأمريكي حوالي 7.8 مليار دولار أمريكي سنويا.. كما أن الأسعار ارتفعت للمستهلك الأمريكي بسبب زيادة التكاليف على الشركات المصنعة، مما أثر في القوة الشرائية للمواطن الأمريكي..علاوة على ذلك، تراجعت الصادرات الأمريكية بسبب تزايد الرسوم المفروضة من قبل الدول المستهدفة، الأمر الذي جعل بعض الشركات الأمريكية تتعرض لخسائر كبيرة وفقدت عدة قطاعات صناعية ميزاتها التنافسية.

وكما كان للحرب التجارية العالمية تأثيرات علي الدول الكبرى كان لها تأثير خاص أيضا على الاقتصادات الناشئة وعلى رأسها الاقتصاد المصري.. ففي الوقت الذي يسعى فيه الاقتصاد المصري إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع مصادر النمو، فإن تصاعد الحرب التجارية بين أكبر الاقتصادات في العالم أثر سلبًا على السوق المصرية.

وقد ذكرت وكالة "فيتش سوليوشينز" في تقرير لها مؤخرا أن تأثيرات وتداعيات الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، محدودة لا سيما على دول مجلس التعاون الخليجي.. ولكن التأثير سيكون بسبب أسعار النفط وارتفاع معدلات التضخم.. وأن التبعات الأكبر لهذه التعريفات ستكون على الأسواق الناشئة المثقلة بالديون في المنطقة وهي دول مصر والأردن ولبنان، حيث ستتأثر تلك الدول بصورة كبيرة نتيجة لزيادة تكلفة الديون عليها نتيجة قوة الدولار عالميا.. وستكون التأثيرات على مصر غير مباشرة أي ليست على الصادرات والتجارة الخارجية، بل ستكون بسبب المديونية الكبيرة وارتفاع قيمة الدولار عالميا وبالتالي سيؤدي إلى ضغط هبوطي على الجنيه المصري مما سيعوق انخفاض الأسعار وتراجع معدلات التضخم وأيضا سيعوق دورة التيسير النقدي المترقبة في السوق المصرية في ظل معدلات فائدة مرتفعة.. وسيؤثر بالطبع على النمو الاقتصادي في مصر.. وأيضا سيؤثر تباطؤ خفض أسعار الفائدة الأميركية على استثمارات الأجانب في أدوات الدين في الأسواق الناشئة ومنها مصر وقد تؤدي إلى تخارج وتصفية بعض محافظ الأجانب فيها.

ودخلت الرسوم الجمركية المرتفعة على جميع واردات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة حيز التنفيذ يوم الأربعاء، مما دفع كلاً من كندا والاتحاد الأوروبي إلى فرض رسوم انتقامية، الأمر الذي سيؤدي على الأرجح إلى ارتفاع الأسعار التي يدفعها المستهلكون، حتى لو امتص المستوردون جزءًا من هذه التكاليف.. كما أن الاقتصاد المصري تأثر بشكل مباشر بارتفاع تكلفة المواد الخام المستوردة بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية، مما أدى إلى زيادة التكلفة على العديد من الصناعات

وفي رد فعل مباشر على الرسوم الأمريكية فرضت الصين رسوما جمركية بنسبة 25% على العديد من السلع الأمريكية، بما في ذلك المنتجات الزراعية (مثل فول الصويا)، والسيارات، والصلب. وكان الهدف من هذه الرسوم هو الحد من حجم الصادرات الأمريكية إلى الصين مما أدى إلى تراجع حصة السوق الأمريكية في الصين بشكل ملحوظ.. كما أتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات مماثلة وفرض رسوما جمركية على العديد من المنتجات الأمريكية مثل النبيذ، والدراجات النارية، والجلود، كرد على الرسوم الأمريكية على الصلب والألومنيوم. كما هدد الإتحاد الأوروبي بإتخاذ تدابير أخرى في حال استمرت السياسات الأمريكية في التصعيد..وفرضت أيضا كندا والمكسيك رسوما جمركية على مجموعة من المنتجات الأمريكية، مثل الفواكه والخضروات، والصناعات المعدنية. كما سعت إلى تقليل اعتمادها على السوق الأمريكي عن طريق تعزيز علاقاتها التجارية مع دول أخرى.

والمواجهة الثانية كانت في شكل البحث عن أسواق بديلة لتصدير المنتجات، فعلي سبيل المثال بدأت الصين في تعزيز علاقتها التجارية مع دول الإتحاد الأوروبي، بل وزادت من صادراتها إلى بعض الأسواق الناشئة مثل الهند، وفيتنام، وكوريا الجنوبية..كما سعت الهند إلى تقليل اعتمادها على صادراتها إلى الولايات المتحدة عبر تعزيز علاقتها مع دول مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، ومنطقة جنوب شرق آسيا، من خلال اتفاقيات تجارية جديدة.

ولم يقتصر الأمر على الإجراءات الأحادية فقط..بل سعت إلى تعزيز تعاونها في إطار تحالفات متعددة الأطراف فعلى سبيل المثال، انضمت الصين والإتحاد الأوروبي إلى اتفاقيات تجارية مع دول أخرى، مثل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) التي تشمل العديد من دول جنوب شرق آسيا.. كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط لتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول أمريكا اللاتينية وآسيا عبر اتفاقيات جديدة تستهدف تقليل الاعتماد على السوق الأمريكي.

وهكذا نجد أن السياسات الاقتصادية التي اتبعها ترامب قد يكون لها تأثيرات سلبية على الولايات المتحدة أكثر من الفوائد التي كان يأملها.. فالهدف المعلن لهذه السياسات كان تعزيز الاقتصاد الأمريكي من خلال تقليص العجز التجاري وتحفيز الصناعات المحلية، لكن الواقع أظهر أن هذه السياسات لا تؤدي إلا إلى زيادة التوترات مع الشركاء التجاريين، مما يهدد العلاقات الدولية. كما أن فرض الرسوم الجمركية كان له تأثير غير مباشر على الاقتصاد الأمريكي، فقد أدت هذه الرسوم إلى زيادة التكاليف على المستهلكين الأمريكيين وتراجعت الصادرات بشكل ملحوظ.. أمريكا تقترب من وضع اقتصادي معقد، حيث بدأت الحرب التجارية تعصف بأسواق المال العالمية، وتساهم في تباطؤ النمو الاقتصادي. إن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى تداعيات أكبر مما يعرض الاقتصاد العالمي برمته لمخاطر جديدة.
--------------------------------
بقلم: ضياء عبد الحميد